أطبق هنا قاعدة مهمة اتبناها في الكتابة: كل شيء قادرة الكلمة على وصفه إلا الفقد والحب، وأنا أحب ايطاليا.

– منيرة السميح – محررة     

عدت من صقلية بعد قضاء إجازة قصيرة، عدت محملة بزيت الزيتون، والزيتون الأخضر، ومعجون الطماطم الصقلي، وجبنة الموزوريلا، والمعكرونة المصنوعة منزلياً، نثرتها على طاولة المطبخ بفرح طفولي، ستفوح الدار في الأيام القادمة برائحة الطماطم والريحان وستدور اسطوانات دين مارتن ومغنيين ايطاليين لا أعرفهم. منذ عام 2014 وأنا أزورايطاليا سنوياً، ورغم الزيارات المتكررة والقلوب المتراصة على امتداد الحذاء الايطالي على خرائط قوقل وعبارة « لقد زرت هذا المكان» والتي تأتي أسفل الكثير من المطاعم والمقاهي الايطالية على تطبيق فورسكوير إلا أني لم أكتب ولا مرة عن أي مدينة إيطالية ولا زلت أظن أن أصعب سؤال يطرح علي: «لماذا ايطاليا؟» لذا أضحك دائماً وأقول إن هذا السؤال من الأسئلة الوجودية التي تصعب إجابتها.

فلسفة نيتشة

هذا الخليط المدهش من لذة الطعام وحسن المناخ والراحة التي لا مثيل لها هو اجابة السؤال، والذي عبر عنه نيتشه في نابولي بعد أن سبح وتناول الطعام المطهو في زيت الزيتون وشاهد الغروب هو ما جعله يغير فلسفته عن الألم واللذة، وإذا كان نيشته وقع في غرام ايطاليا حتى أنه غير فلسفته فالأكيد أن هذا الخليط فعل بي ما فعل بنيتشه وإن لم يكن لي فلسفة عظيمة أغيرها إلا أنني تبنيت فلسفة الحياة الهينة اللينة والمدهشة في ذات الوقت، الحياة على الطريقة الإيطالية هي الدرس الذي أعود سنويا لاستذكاره، الدرس الذي قضى نيتشه أشهراً في نابولي ليتعلمه حتى نجح فيه النجاح الذي وصفته مالفيدا فون مايزنبوغ بقولها: «لم أره -نيتشه- بمثل هذه الحيوية من قبل. كان يضحك بصوت عال بسعادة عميقة» نعم السعادة العميقة، ربما هذه الإجابة المختصرة لسؤال من نوع ” لماذا ايطاليا؟”، السعادة والضحكة العالية هي ما أجده في ايطاليا، كل شيء يتحول لضحكة وأنا في سيرة ذاتية مختصرة فلا عجب أن أبحث عن مكان يليق بسيرتي

صباحات بول

 

يخبرني أحد الأساتذة في جامعة كلية لندن بأنه بعد وفاة شقيقته التي تلت وفاة والده بعد اصابتهما الاثنين بالسرطان أدرك أن الحياة قصيرة قد تنتهي في أي وقت لذا يرغب أن يعيشها لا أن يحياها فقط! هذه الفكرة التي راودته بأنه لابد أن يعيش جعلته يضع أوراقه البحثية ومحاضراته جانباً ويطلب التقاعد المبكر وبالتزامن مع فكرة التقاعد كان هناك سؤال يراوده بما أنه يترك عمله في عمر مبكر ليعيش الحياة: أين أستطيع العيش؟ أين سأكون سعيد؟ إجابة السؤال جاءت كتذكرة من لندن لسورنتو جنوب ايطاليا. يعلق قائلاً: «أحب هذا البلد وأسعد بوقتي فيه فلماذا أضيع الوقت في بلد غيره. تخبرني سراً حبيبته وشريكة حياته الايطالية التي تعرف عليها هناك بعد استقراره بأنه يستيقظ كل صباح ويخرج من المنزل ليقف على التلة ويفتح يديه ويردد: «صباح الخير أيتها الحياة صباح الخير أيتها العصافير والشمس» تضحك وهي تقول شخص مثلك يستقبل النهار بحفاوة لابد وأن يفهم صباح بول، أضحك وأقول لها أفهم لذا أعود لايطاليا سنوياً لأحظى بصباحات مشابهة لصباحات بول.

Dolce Far Niente

في رحلة الكاتبة الأمريكية اليزابيث جيلبرت إلى ايطاليا بعد انفصالها واصابتها بالاكتئاب. أجابت عن السؤال بهذه الطريقة: الطعام اللذيذ والصحبة والحب الذي عثرت عليه اليزابيث في ايطاليا كان كافٍ لشفاء روحها. أخبر الطليان اليزابيث بأن لديهم في ايطاليا ما يعرف بـ «دولتسي فارنينتي»، هذه المتعة التي تتحصل للمرء بمجرد قيامه باللاشيء، الاسترخاء والأكل وعدم الانهماك بشيء هو الدرس الإيطالي للعالم. يلتقط البعض هذا الدرس بسرعة ويغيب عن البعض الآخر! أما أنا فأعود لايطاليا سنوياً لأستذكره ثم أعود لداري لأحاول العيش به. حلاوة (الرواق) وعدم اللهث في الحياة فن أظن أن شعوب البحر المتوسط تتقنه ويتفوق فيه الطليان. لذا أعود سنويا لدولتسي فارنينتي..

اقرأ المزيد

التفاصيل التي تصنعنا

متجر الأشمغة يفيض بالأمواج الحمراء التي تتسرب إلى طرقات السوق، لم نعرف بائع أشمغة واحد ينادي ترغيباً في بضاعته، إذ أن متجره يذكرنا بآباء على مد النظر يصطفون لصلاة العيد أو يتموضعون ...

اقرأ المزيد

ويــــن أحــــب اللــــيلة ويــــن؟

نعرف المربعانية بمجرد أن يعلو صوت أبو نورة ليلاً من إحدى السيارات الواقفة عند اشارة الدرعية الأولى «كفها فلة جديلة من حروف… قصة الحناء طويلة في الكفوف» إذاً هذا هو إعلان الشتاء ونشيده الرسمي، نتمايل...

اقرأ المزيد

الحنين؛ بين الحرف والموقف

كلمة أُخرى، يصعب تفسيرها، تضاف لقاموس اللامعنى وتكون غصنًا لشجرته، وكغيرها مفردة نادرة، تُفسر بالذكرى وجمع الذكريات، تفسر بالموقف الصادر اللاإرادي...

اقرأ المزيد