تناديه صديقتي جيهان ب “البلاد” هكذا بلكنه دافئة واثقة من أن ما تحكي عنه ليس بلداً واحداً إنما أكثر ، لذا فهو (البلاد). (البلاد) الذي تلفه كوفية حول عنقها في شوارع لندن وتحضره لشقتي في طبق من لفائف المسخن وزبدية تبولة مدللة بزيت الزيتون الحقيقي! نعم الحقيقي كما تحب وصفه لأن أشجاره مزروعة في حقل عائلتها وأفراد عائلتها بنفسهم يتولون رعايته وعصره، حقيقي لأن (البلاد) وحدها تحتفي بالزيتون وتقيم لمواسمه عيداً خاصاً. دللتني جيهان مذ عرفتها ب(برطمانات) زيت الزيتون والزعتر المرسلة من (البلاد)، شيء من رائحة الأهل والأرض، أستقبله بابتسامة وأردد “إنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون”.

 

البقاء الذي ذكره درويش رأيته في عيني صديقة أخرى حين تعرفت عليها منذ سنوات لاجئة حديثة في بريطانيا تبحث عن زيت (بلادهم) بحزن من لم يهنأ بالطعام منذ وصوله، لأن المكونات الغربية وإن تشابهت في الاسم إلا أنها خالية من الروح خالية من المذاق! من لم يخبر الغربة قهراً وتشريداً ربما لن يفهم كيف لزيتٍ أو بُن أو زعتر أو سواه من الأطعمة أن يكون بلا طعم وهو يحمل علامة تجارية شهيرة غالية الأثمان! صديقتي تفهم الفرق جيداً وتدركه بقلبها قبل لسانها وهي تقول بحسرة حين صحبتها لمتجر بقالة عربية علّها تجد مبتغاها وارداً من بلادها: “تركت قنينة زيت كبيرة بالبراد طلعت من الدار بسرعة وتركتها! قالوا لنا ما نحمل ولا شيء معنا”.

 

 

الخروج السريع من الدار أو الفرار بالروح من أرضها، (برطمانات) الزيت والزعتر والزيتون، الصاج الذي غادره أهله وهو لم يبرد بعد من خَبز المسخن والمنقوشة، كل ما تركه أهل (البلاد) خلفهم حين حالفهم الحظ في ألا يكون المتروك (أرواحهم)، تركوه بحسرة في القلب على أن يعودوا، تعود جيهان لعيد الزيتون في حقل العائلة، وتعود زهور لقنينة الزيت في البراد ويعود حنظلة ليكبر في (البلاد).

 

اقرأ المزيد

الحنين؛ بين الحرف والموقف

كلمة أُخرى، يصعب تفسيرها، تضاف لقاموس اللامعنى وتكون غصنًا لشجرته، وكغيرها مفردة نادرة، تُفسر بالذكرى وجمع الذكريات، تفسر بالموقف الصادر اللاإرادي...

اقرأ المزيد

أجمل سنوات الكتابة، أسوأ أعوام كرة القدم.

عصَرَ طفل، في العاشرة تقريبًا، فجأة أصابع قدميه بيديه، فيما جلس مع والده المنكفئ على مركاه، أمام جريدة فاتته صباح ذاك اليوم، يزدري الأب بخفة توتر ابنه، ويستغل..

اقرأ المزيد

من ذاكرة البيوت

لربع ساعة. لم يخطر ببال أحد أن الدرابزين الخارجي جزء من البيت، وأن طقطقته وضربه تؤذي ويشعر بها البيت كما لو كانت طقطقة لإحدى جدرانه الداخلية. لم يكن رأسها الوحيد الذي علق تلك السنة...

اقرأ المزيد