pink-dot

 كـــيـــتَ وَكـــيـــتْ وَكـــيـــتْ

pink-dot

بـلـكـونـــة، وفي روايـــة شــرفـــة

النسخة ٤ – منشور في نوفمبر ٢٠٢٣

“الخيال هو عضلة، إذا لم يتم تدريبها، فإنها سوف تضمر. “

– نيل غيمان

سالفة

الجزء الناتئ من أحد الأدوار العلوية في المنزل ليطل على الشارع يسميه البعض بلكون أو بلكونة وتُعرّفه قواميس اللغة بـ «الشرفة»؛ نعرفه في مصر بأحاديث الجارات والشتائم المتبادلة بين معلم القهوة في الشارع وبين سيدة في الدور الخامس، على الأقل هذا ما كنا نراه في المسلسلات المصرية التي نشأنا امامها، في مالطا ولشبونة تعرف البلكونات بكرنفال الملابس الملونة، حبل غسيل يمتد فوق البلكونة حتى تبدو الملابس المعلقة عليه كستارة تحجب البلكونة عن فضول المارة أو حبل يمتد بين كتفي بلكونتين كجسر يربط بين شقتين ليصبح بينهما عيش وملح أو بعبارة أصح قميص وبنطال. في الجزر الصاخبة كابيزا وميكونوس جزء من هوية البلكونة فتاة تتعافى من ليلة البارحة بسيجارة وكوب قهوة وحبيبان يكملان ما بدآه ليلاً، في إيطاليا حيث تتحول الأشياء لقصة حب تحولت البلكونة لروميو وجولييت ونازع الطليان شكسبير في قصته وأنها لم تكن إلا الحقيقة التي حدثت بين عاشقين في فيرونا الايطالية وأصبح الجمهور أسفل البلكونة على موعد مع روميو وجوليت في كل عيد عشاق، رغم رومانسية بلكونة فيرونا إلا أن البلكونة النابولية ستظل عرابة المشهد البلكوني الايطالي حيث الأصوات العالية المتداخلة في بعضها.

في أي مكان من العالم تبدو البلكونة مكان مطاط من البيت يمكن مطه ليتسع فيكون مستودع يقصده أفراد العائلة بأغراضهم التي ضاق بها البيت، أو مساحة لتحقيق حلم قديم بامتلاك حديقة، أو استراحة مدخنين ينفثون فيها دخانهم بعيداً عن رئة البيت. في أحوال أخرى قد تكون البلكونة مندوب توصيل تتدلى منها سلة تهبط فارغة وتصعد لمستقرها محملة بما هبطت من أجله؛ طماطم، علب لبن، خبز وقديماً رسالة غرامية من جار قبل أن تقضي الأجهزة الحديثة على أبسط الجهود التي يبذلها أحدنا في طريقه للآخر..

في بيوت تعز علينا وشوارع قريبة منا تمتد البلكونة على استحياء كجزء من مخطط وضعه مهندس مهتم بجمالية التصميم بغض النظر عن اشتراطات البلدية وعيون المارة وهوس الخصوصية ومشاعر البلكونة التي لا تزال حائرة تصارع لإثبات هويتها بعيداً عن المستودع وقريباً من فسحة حياة الشارع.

دائماً ما يتكرر هذا النوع من الأسئلة سواءً في رسالة خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي أو بشكل مباشر من إحدى الصديقات أو زميلات العمل، من الصديقات السعوديات إلى الأوروبيات على حد سواء ويختلف شكل الهلع من واحدة لأخرى.

 

طيب ما شفتي الفيديو اللي فيه واحد قتل وحدة؟»

 

أما بالنسبة للخوف كأنثى تسافر بمفردها فلم يراودني أبداً، استدراكاً لعبارة من نوع قلبك ميت والتي قد تطرأ على بال أحدهم أقول أني نوعاً ما باحثة جيدة أولاً وثانياً مؤمنة بأن الفطرة في البشر الخير، أما الشاذ فهو الشر، والاعتداء عليك. هذا الاعتداء قد يحدث في أي مكان حتى في بيتي أو مسافرة مع قبيلة كاملة وقد لا يحدث ما حييت فصعب أن تبقى الحياة على زر «توقف» حتى نضمن السلامة 100%.

 

قبل السفر أقرأ عن البلد، وتحديدا أقرأ في المدونات الأجنبية للنساء اللاتي يسافرن بمفردهن، هذه النوع من المدونات أوصي بها وبشدة لكل من تفكر في السفر بمفردها لكنها تهابه. غالباً ستعطيك تصور واضح لأمنك في البلد وما الذي يجب أن تنتبهي له. أيضا أنتقي بعناية من أسأله عن المكان فمثلاً أعرف أن شخصين أحدهم «رايق» والآخر «وسواسي» سافروا لدولة أرغب بزيارتها بمفردي حتماً سأستشير الأول -التحيز المعرفي على أصوله- فأنا أحتاج مشجع وليس مثبط. كما أنني لا أهتم أبداً بفيديوهات الرعب ورسائل الواتساب التي لو أطلعت عليها للزمت فراشي في غرفتي ولم أخرج من بيتي وهي في النهاية.

 

طيب ما تحسين أنك تبين أحد تسولفين معه في السفر»

 

الشعور بالملل في السفر الفردي أعتقد أنه يرتبط بدرجة كبيرة بقدرة الشخص على أن يأنس بمفرده وهذا يبدو في يومه العادي كيف يقضيه ومع من. عني أٌنسي منفردة مع نفسي لا يقل عن أنسي مع المقربين لكنه الشيء الذي لو لم أجربه لما عرفته عني. من تخشى الملل إن سافرت بمفردها تحتاج أن تجرب حتى تعرف لأي درجة هذا الشعور حقيقي. غالبا في السفر هناك أنشطة كثيرة وهناك فرص للتعرف على آخرين فكيف يملّ شخص يعيش تجربة جديدة مختلفة عن روتينة! أيضا هناك فرق بين (مفردك) و (وحدك) في السفر أنت بمفردك لكنك لسْتِ وحدك. فأنت محاطة بالباعة، العاملين في المطاعم والمحلات والمقاهي، نزلاء السكن، رواد التجارب التي تقصدينها والمعالم، كل واحد منهم قد يكون فرصة خصبة لمشاركته الوقت واللحظة. رغم أني من عشاق الكلام وأبعد ما أكون عن الصمت لكن السفر بالنسبة لي يحول الكلمة من منطوقة لمرئية من حديث مع الآخر لحديث مع النفس.

 

أكثر شيء يخيفني من السفر بمفردي هو وقت تناول الطعام! لا أتخيل أني أستطيع الجلوس لتناول وجبة بمفردي!»

 

هذا التعليق من إحدى الصديقات أغرب تعليق سمعته. تناول الطعام بمفردك قد يعطيك فرصة لتأمل اللذة التي قد تفوتك حين تأكل وتتحدث مع من يشاركونك الأكل. أيضا الحاجة للمشاركة في الوقت الحالي لم تعد مقصورة على المشاركة المادية -حضور الأشخاص معك جسدياً- وإنما تعدته للمشاركة الافتراضية على وسائل التواصل الاجتماعي. عموما الصديقة صاحبة هذا الهاجس اقترحت في النهاية أنها ستجرب مكالمات الفيديو عندما تسافر وترتاد مطعم بمفردها.

 

أخيراً! السفر بمفردك كأنثى يعتمد على خصائصك الشخصية بدرجة كبيرة، عليها قد يكون مناسب لك أو غير مناسب؛ التجربة خير برهان، مالم تجربيه بعد سيظل مخيف وممل. أسألي نفسك: لأي درجة أرغب في الانفراد وأستطيع الاعتماد على نفسي مادياً ونفسياً؟

 

حدث 

 
 
  •  نشرنا الحلقة الثانية في سلسلةمكتباتهم” مع الكاتبة العمانية بشرى خلفان عبر قناتنا في يوتيوب، مشاهدة ممتعة.
 
 
  •  يمكنكم الاطلاع على مقال “نيو بالانس: التاريخ العاطفي لحذاء رياضي” بقلم: منيرة السميح ومقال “بودكاست Heavyweight: العلاج النفسي خارج العيادة” بقلم: صالح الصميت في موقع كيت وكيت الالكتروني.
 
  •  في حال رغبتكم بالمساهمة معنا بالانضمام إلى مجتمع كيت وكيت من خلال المقالات والكتابة التواصل عبر بريدنا الالكتروني، العنوان في خاتمة النشرة.