والحرية التي ميزت العمل الصحفي:ـ
“اكتب ما شئت، لا مراجع وراءك سوى المدقق اللغوي”

 -أحمد العياد – صحفي وكاتب سينمائي

كانت أغرب سيرة ذاتية كتبتها في حياتي، كتبت برنامجي اليومي، وقراءاتي اليومية، وما أتابعه ومالا أتابعه، والكتّاب الذين أقرأ لهم والذين أخطط للقراءة لهم، حتى أنني أشرت للحفلات الغنائية التي أحضرها، وأرفقت بعض التدوينات البسيطة التي أنشرها في المنتديات، لم تأخذ مني كتابة السيرة الذاتية الغريبة التي قادتني للصحافة أكثر من ساعة واحدة. تلقيت بعدها بدقائق اتصالاً أدخلني الميدان الذي لم أخرج منه حتى ساعة كتابة هذه السطور، فيه قال لي يوسف الهزاع، مدير مكتب «إيلاف» الإليكترونية في الرياض: «سيرة ممتازة يا أحمد، تعال بكره للمكتب لنبدأ العمل».

 

يعني بدء العمل في الصحافة التدريب المكثف لأسابيع، ثم البدء التدريجي في التقارير والتغطيات المحلية والسياسية المعتادة، وجدت مع الوقت ميلاً أكثر للأخبار والمراجعات الثقافية بدأ من تغطيات المشهد المحلي، كأخبار معرض الكتاب، والمشهد الثقافي والمجتمعي العام، لعل أبرز ما أتذكره في تلك المرحلة، هو المناخ الذي يسود «إيلاف» والحرية التي ميزت العمل الصحفي، اكتب ما شئت، لا مراجع وراءك سوى المدقق اللغوي.

 

كانت العلامة الفارقة لدي هي الحوارات المكتوبة التي أجريتها مع أعلام مهمين في المشهد الثقافي السعودي والعربي، ففي أشهر قليلة حاورت أسماء مثل: تركي الحمد، وتوفيق السيف، ومعجب الزهراني، وعبد الرحمن الراشد، ومنصور النقيدان، وعبد الرحمن الوابلي رحمه الله وغيرهم الكثير. استمر العمل بهذه الوتيرة حتى عام 2014، عندما شاهدت المؤتمر الصحفي الخاص بمهرجان دبي السينمائي، وربما بدافع صحفي اكتسبته من العمل في «إيلاف» تساءلت لم لا أحضر المهرجان. ولم يطل التساؤل حتى قررت أخذ إجازة من العمل والحضور منفرداً. سافرت وكانت التجربة الأولى في الاحتكاك بالنجوم وجها لوجه، أجمل ذكرى في التجربة كانت مشاهدة فيلم «بتوقيت القاهرة»، في نفس القاعة التي يتواجد بها النجم نور الشريف؛ كنت شاهداً على تحية الجمهور له في فيلمه الأخير.

 

أتذكر أيضًا في المهرجان أنني كنت في حديث جانبي مع زميلة تعمل مذيعة لأحد التلفزيونات العربية الحكومية أثناء تغطيتها للمهرجان، عندما مرت النجمة القديرة منى واصف، نبهت المذيعة أن منى واصف نجمة كبيرة ويجب أن تجري معها حواراً، لترد أنها لا تعرف منى واصف، لكنها عرضت علي أن أجري الحوار بنفسي، ردة فعلي اللا شعورية هي الموافقة الحماسية والمباشرة، وما كان مفترضاً أن يكون مقابلة من خمس دقائق خاطفة، تحول إلى حوار لمدة عشرين دقيقة.

ولم تكن تجربة حضور المهرجان بذات أهمية، إذا تحدثنا عن الجانب المهني الصحافي، فلم تنتج حوارات أو تغطيات، لكنها في جانبها الاستكشافي كانت ذات أهمية لا تجارى، بدءاً من المشاهدة اليومية للأفلام، ثم النقاشات المفتوحة اللاحقة، سواء مع صحفيين آخرين، أو مع صناع أفلام. عندما عدت للرياض بعده عرفت أن شيئاً قد تغير في فكرتي تجاه الصحافة والكتابة، وتذكرت أيام الدراسة الجامعية، والنقاشات اليومية عن الأفلام في منتديات إليكترونية مثل «الإقلاع» و«إيجي بيست». غيرت أجواء المهرجان شيئًا أصبح يبقيني أكثر حرصاً على متابعة ما يخص السينما من نقاش، عربياً وعالمياً، حتى دعيت يوماً لحفل في السفارة الهولندية بالرياض لمشاهدة عروض لأفلام سعودية، جمعني لقاء حينها بالمخرج محمد الحمود، الذي لا أشك أنه لا يتذكر ما حدث، لكن حديثه يومها عن تفاصيل أحد أفلامه، ثم حديثي عن تفاصيل عملي الصحفي والكتابي، كانت البداية للتعاون فيما بيننا، وكانت معرفة عميقة لي بآفاق الصحافة السينمائية، وأهمية وجود علاقة حيوية بين صناع الفيلم في السعودية، وخارجها.

تلك الأمسية كانت مفتاحاً لي لإنتاج عدد كبير، على مدى سنوات، من التقارير والأخبار الصحفية والمراجعات والحوارات، في ميدان الفنون والسينما، كانت اللقاءات تتم مكتوبة حينًا، وحينًا مشاهدة بالجوال، إيماناً مني بأن الجمهور السينمائي يتعطش للمحتوى المشابه بغض النظر عن الوسيط، ثم قدمت عددًا من المحاولات والتجارب كبودكاست «كادرنا»، وأعددت العديد من البرامج السينمائية كأن أبرزها بالنسبة لي إعداد ما يقارب أربعين حلقة لبودكاست «خام» الذي قدمه محمد القرعاوي.

أكتب هذه الكلمات وأنا في انتظار مهرجان فينيسيا السينمائي 2023، أراقب حياتي من الخارج وأتساءل ما الذي أتى بي إلى هنا؟ قبل عدة سنوات لم أكن أفكر بالعمل في مجال الصحافة، ناهيك عن تغطية مهرجانات دولية ضخمة، والدوران بين صالات السينما ونجومها وصناع أفلامها، في حلقة لا تنتهي، ولا أريدها أن تنتهي.

أذكر مرة أنني، في مقهى روما مقابل قصر المهرجانات في مدينة كان الفرنسية، كنت في جلسة مع الناقد إبراهيم العريس، سألني: «ماذا يعمل والدك ووالدتك؟ أجبته بأن أبي مدرس دين، وأمي ربة منزل.» ضحك وقال: «أنا أبي مخرج وأمي ممثلة، من الطبيعي أن أكون هنا، لكني لا أتوقع أن طفولتك قادتك إلى هنا». لا أعلم كيف قادتني طفولتي إلى هنا، لكنني متأكد أن والدي يستحق الشكر، الذي كان يجلب لنا الصحف والمجلات بشكل دوري وكريم، ووفر لنا مكتبة فيديو متنوعة كانت مصدر متعة كبيرة حتى أولى سنوات المراهقة. وكذلك أخي الأكبر عادل، الذي كان ينوب لدي عن محرك بحث غوغل بشكل كامل، وأعطاني المعرفة الأساسية اللازمة التي وافقت درجة فضولي، وأصبحت بعدها أعرف تماماً من هو روبرت دي نيرو، ومن هو عادل إمام. وأعلم أن زميل الثانوية العامة، الذي كنا ومجموعة من الزملاء نتحدث عن أفضل التخصصات الجامعية التي وصفناها بأن مستقبلها مضمون، وقال لي: «أحمد أنت تنفع صحفي!».

اقرأ المزيد

البـــلاد: بـــلاد الزعـــتر والزيـــتون

تناديه صديقتي جيهان ب “البلاد” هكذا بلكنه دافئة واثقة من أن ما تحكي عنه ليس بلداً واحداً إنما أكثر ، لذا فهو (البلاد). (البلاد) الذي تلفه كوفية حول عنقها في شوارع لندن وتحضره لشقتي في...

اقرأ المزيد

زاوية غير مرئية

بكي بمجرد حمله من على الأرض، تعيده والدته على المفرش فيهدأ تمامًا، على العكس من كل أولادها، هذا الولد مختلف. ينام متشبثًا ببطانيته، لا يتركها أبدًا، تحول لونها من الأبيض إلى البني. يستيقظ من...

اقرأ المزيد

كيف تستعمل جدتي الأساطير؟

تستخدم الأساطير على مر العصور لنقل القيم والمعتقدات لدى ثقافة معينة، فهي متعة كبيرة في أي اجتماع، ومحل نقاش دائم، ولا ينقطع...

اقرأ المزيد