pink-dot

 كـــيـــتَ وَكـــيـــتْ وَكـــيـــتْ

pink-dot

في أن تـــــكون كالــــهواء

النسخــــــة ٦ – منشــــــور في فبـــــرايـــر ٢٠٢٤

“العبقرية كينونة متحررة من الزمن، ويمكنها أن تنتج نتاجا مرادفا لمدى توهجها أينما استقرت على معطيات محرضة ومحفزة للإبداع”

–  محمد حسن علوان، رواية طوق الطهارة

سـالـفـة:

في أن تكون كالهواء

سارة الجريسي

“لا يوجد شيء اسمه حياة عادية. سواء كانت حياتك رائعة أو تافهة، كل شخص فريد من نوعه.”

أمقت اقتباسات تطوير الذات، أو بالأصح حب الذات. الاقتباسات التي تمجد الكسل كطريقة لتقدير الذات، الاقتباسات التي تشجع الشخص أن يكون على هواه، أن يستمر في الدوران في نفس الحلقة المفرغة، وأن ينام في ملابس العمل؛ لأنه يستحق أن ينال دقائق إضافية من النوم صباحًا. وفي قراءتي للاقتباس أعلاه، بعيدًا عن كونه تمجيدًا للذات، لم أستطع تخطيه، لسبب ما جعلني هذا السطر أجلس أمام الشاشة ولوحة المفاتيح لساعات لأكتب.

ما معنى أن تكون شخصًا عاديًا؟ 

في رواية -المتآمرون- تقول إحدى الشخصيات:”السر في أن تكون عاديًا. لا أحد يتذكر الأشياء العادية على الإطلاق. للقيام بذلك، عليك أولًا أن تفهم ما تعنيه كلمة عادي. عليك أن تصبح تجسيدًا حيًا للعادية. الناس لا ينتبهون إلى الأشياء العادية، وحتى لو فعلوا ذلك، فإنهم ينسونها بسرعة. لكن أن تصبح شخصًا لا يمكن تذكّره لهو أمر صعب حقًا. طمس وجودك. التحرك بخفة وغير وضوح كالبخار حتى تتلاشى تدريجيًا. السماح للناس بالمرور من خلالك، وكأنك لست هناك، كما لو كنت الهواء نفسه. من الصعب للغاية تحويل نفسك إلى هذا الشخص. أن تصبح عاديًا لا يقل صعوبة عن أن تصبح مميزًا.



هنا قائمة اقتراحات لتكون شخصًا عاديًا بالنسبة للاقتباس السابق: 

1. في اللحظة التي تمسك بالجرم المشهود هاربًا من السلام، وعندما يتم سؤالك عن حالك عليك أن تجيب “بخير” لا أكثر ولا أقل، ابتعد عن “بخير الله يعافيك ويسلمك، أنت وش أخبارك؟” وابتعد عن “ياربي لك الحمد في زحام من النعم” احرص على أن يكون ردك من كلمة واحدة، واهرب من إعادة السؤال على الشخص الذي أمامك.

2. لا يجب أن يكون لديك لون مفضّل، أو رقم مفضل أو حتى فريق مفضّل. فهذه التفضيلات تذكّر الناس فيك وتجعلك مميزًا.

3. يجب ألا تكون طويلًا أو قصيرًا بشكل ملاحظ، وإن كنت كذلك، فتلك مشكلتك. عليك أن تجد حلًا يطمس هذه الصفات، إما باختياراتك للملابس أو للأحذية.

4. لا تتناول غير الكبسة كغداء، والنواشف كعشاء.

5. لا يجب أن يكون لديك طموح، فالطموحات أكبر إشارة إلى أنك شخص غير عادي، ولديك أفكار في ما يخص مستقبلك. وإن تحتم عليك الاختيار، فعليك الاختيار ما بين معلم، طيّار، دكتور، وغير ذلك سيجلب إليك الأنظار.

6. ابتعد عن التعبير عن ذاتك وأفكارك ومشاعرك. يفضل أن تكون صورتك الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي صورة معتمة غير مفهومة، ونبذتك الشخصية لا تزيد عن عشر كلمات. ولا تنسى أن تشارك في السحوبات التي تقوم على إعادة النشر.

7. لا تضع واقي شمس. تحت أي ظرف.

8. اشتري قهوتك صباحًا ولا تدخّر ذلك المبلغ للاستثمار به.

9. استخدم حبوب فيتامين دال.

10. استخدم المرّة لعلاج جروحك.

لا أجزم بأن القائمة السابقة ستجعلك شخصيًا عاديًا، بالإضافة إلى أنها قصيرة، الإنسان أكثر تعقيدًا من هذا كله. نعيش حياتنا وأيامنا معتمدين فيها على الكثير من التفاصيل الصغيرة التي يصعب علينا الانتباه لها. كوزنية السكر في الشاهي مثلًا، تستطيع حساب حبيبات السكر التي تحتاجها وأنت مغمض العينين، وقد تكون هذه التفصيلة الصغيرة هي ما تجعلك مميزًا. أشياء كثيرة تجعلنا مميزين، ابتسامتنا، طريقة سلامنا، والكلمة التي نختارها دائمًا لإغلاق المواضيع أو لتصريفها. وقد تكون العادية هي فعلًا صعبة كمحاولتنا لنكون مميزين. 

حدث 

  • نشرنا الحلقة الرابعة في سلسلة “مكتباتهم” مع الأستاذ بدر رمزي عبر قناتنا في يوتيوب، مشاهدة ممتعة.

  • يمكنكم الاطلاع على قصة “تاريخ البط” بقلم: منصور العتيق ومقال “حين رسم كليمنت فكرة فكرة فرويد” بقلم: سلام نصر الله في موقع كيت وكيت الالكتروني.