pink-dot

 كـــيـــتَ وَكـــيـــتْ وَكـــيـــتْ

pink-dot

في ذكــــــــــرى كـــــــــــورونا

لنسخــــــة ٧ – منشــــــور في مــــــــارس ٢٠٢٤

“ومثلما يكون الصوم موقفاً، يكون رحلةً في أقاليم جديدة تنكشف بها للنفس حجب، وعوالم، وتجلي مرايا، وتشف أبعاد”

– عــــــلي شـــــــلق

سـالـفـة:

في ذكرى كورونا

سارة الجريسي

فاجأت أثناء تصفحي لتطبيق إكس -الذي لا يطلق عليه اسم إكس سوى صاحبه-  مضي أربع سنوات على تعليق الدراسة بسبب كورونا!

أتذكر هذا اليوم كأنه بالأمس، وليس قبل أربع سنوات. كنت وقتها قبل إطلاق الخبر أقوم بمراجعتي الأخيرة لاختبار مادة الأدب الانجليزي، وهو اختبار أنفقت له نهاية الأسبوع كاملة بالمذاكرة. أجلس على مكتبي، أحاول تخفيف الصدمة التي شعرت بها بانقلاب المراجعة إلى مذاكرة حقيقية، وكنت استخدم برنامج يمنعني من استخدام هاتفي أثناء المذاكرة، ولا يقوم هذا البرنامج على تقنية أو استراتيجية ذكية معينة، وإنما يظهر لي كعكة في الفرن، تطبخ خلال المدة التي أمتنع بها من فتح هاتفي، وفي اللحظة التي أفتح فيها هاتفي تحترق الكعكة. لم أتوقع أن حيلة بسيطة كهذه قد تنطلي علي، لكنها فعلت وأثبتت فعاليتها بجدارة.

تفاجأت بإشعارات كثيرة، مجموعة الواتساب الخاصة بطالبات الشعبة لا تكف عن الوميض، وتبعتها مجموعة صديقاتي، إلى مجموعة أسرتنا وحتى مجموعة -الجريسيات- التي تضمني مع نساء العائلة جميعهن. أراقب الاشعارات باضطراب شديد، فلا أود أن تحترق كعكتي، ولا أود أيضًا أن أغيب عن الحدث الذي يهز هاتفي بدون توقف، إلا أنني أحرقت الكعكة وفتحت الواتساب. لم أستطع إغلاق فمي من الصدمة، ركضت لوالدي كونه الوحيد القادر على مصادقة هذا الخبر في العائلة، لا لشيء خاص وإنما لمجرد كونه صاحب القرار من ذهابي للجامعة بالغد أو من عدمه. وبعد المصادقة التي أعطاني إياها، أعطتنا دكتورة مادة الأدب المصادقة على تأجيل الاختبار حتى وضوح معالم الدراسة عن بعد. لم أغلق لابتوبي بعد مراجعتي للاختبار، وإنما فتحت صفحة نيتفليكس وبدأت الفترة التجريبية للمشاهدة المجانية لمدة شهر، وشاهدت حلقة أولى من مسلسل كوري جديد وخلدت بعدها للنوم.

وقد كانت تلك قراءتي الأولية والضعيفة للمشهد، الكثير من الأفلام والمسلسلات والمزيد من أوقات الفراغ للقيام بالأمور التي أحبها ولم أحظى بالفرصة للقيام بها بسبب الجامعة. ليتل دو آي نو.



أكتب هنا قائمة بأبرز الذكريات التي تزورني بين فترة وأخرى عند الحديث عن كورونا: 

1- لعبة الكيرم والمشاكل التي تبعت إخراج لوح اللعب من المخزن.

ابتدأت أولى المشكلات بإخراج لوح الكيرم من المخزن، حيث عارضت والدتي في البداية على إخراجه؛ لأنه بنفسه يشكل ما نسبته نصف الكرة الأرضية من الغبار، ولأنها تعلم يقينًا بحرب بودرة الأطفال التي تحوم في الأفق. قامت مباريات كثيرة تورمت وجرحت منها العديد من الأصابع، وموجة عارمة من الغضب قادتها اختي ضدي لأنني قررت الامتناع عن اللعب للأبد لأنني لا أتحمل آلام الضربات؛ فلا وجود لعنصر نسائي باللعب بجانبها سواي، إلا أنها وجدت حليفها سريعًا. اشتهرت لعبة الكيرم على نطاق واسع، نفذت من المتاجر، وقامت عليها مزايدات كثيرة. ولم تغب الشطرنج عن فوضى الألعاب الجماعية، إلا أنها لم تلق رواجًا في منزلنا بسبب خسارتنا السريعة من والدي، ونسياننا المتكرر لقواعد اللعب.

2- الحلاقة المنزلية التي ادعى أغلبنا على اتقاننا لها.

بالرغم من القصة التي حصل عليها اخوتي أو بالأصح الجبل الذي استقر فوق رؤوسهم، إلا أنها أنقذتهم بشكل بسيط من زوجة عمي التي بالخطأ جعلت من أخي الأصغر أصلع. ادعيت قدرتي على الحلاقة وقص الشعر، وكانت خبرتي التي استندت عليها الغرة التي قصصتها أثناء إحدى المحاضرات عن بعد. ضحيتي الأولى حصلت على جوانب محلوقة ومقدمة رأس على شكل هرم، أو أقرب إلى جبل فوجي. مع اتباعي الدقيق لمقطع يوتيوب لحلاق متخصص، إلا أنني أظن أن آلة الحلاقة الخاصة بالوجه لا تعمل بكامل كفاءتها لشعر الرأس، وهذا درس تتعلمه مرة واحدة في الحياة.

3- كعكة الليمون وآلام خفق القهوة.  

اشتهرت كعكة الليمون بشكل مخيف، مع كل غمضة عين تتطور الوصفة وتزداد مكوناتها. في كل يوم أحفظ نسخة، حتى شبعت من رؤيتها وانتهى الحجر بعدم صنعها. اشتهرت بعدها القهوة الباردة التي تعد يدوينا بالخفق، ولكنها قد تكون اشتهرت لدينا بشكل أقل من شهرتها لدى الأجانب. وبشكل غريب، في كل وصفة يشترط استخدام قهوة نيسكافيه قولد، وأن الوصفة لن تنجح إلا بتلك العلبة الذهبية. وقمت بتجربتها بنفس القهوة المشروطة، وودعت يدي بعدها. حيث تنص الوصفة على الخفق اليدوي السريع لدقائق حتى يتحول المزيج إلى رغوة كثيفة. ومع أنني أتذكر بأن طعمها كان أقل من العادي، إلا أنني بالحديث عنها أود تجربتها مجددًا.

4- فقرة التعقيم التي طالت حتى الآيسكريم.

لم نكن مهووسين بالتعقيمات، فكل الطلبيات فتحتها في غرفتي مباشرة بعد أخذها من المندوب، ولم يقم أي منا بتعقيم أي شيء أحضره من الخارج. لا أعلم في الحقيقة لما كنا نتعامل مع الأمر ببساطة، إلا أنني أظن بأن جملة جدتي: “ما عليكم إلا العافية” كانت سلاحنا السري. وهنا الدرس الثاني الذي أعطتني إياه كورونا، الدعم المعنوي لا يقل أهمية عن اتباع التعليمات. تغير الوضع سريعًا بزيارة عمتي لنا، فقامت ابنة عمتي بتعقيم مشترياتنا من البقالة، أخذت كل الأكياس من البطاطس والشوكولاته إلى الآيسكريم، وعقمتها كلها أمامنا، وأمرتنا ألا نلمس شيئًا حتى تأخذ وقتها من التعقيم. وكانت تلك اللحظة لحظة مفصلية قد تهدد أي علاقة.

كانت فترة كورونا من أصعب المراحل التي عشتها في حياتي، تعلمت الكثير من الدروس بالقوة، لم تتوفر لي حرية الاختيار بين المعاناة أو إيجاد حلول أخرى، كنت مرغمة على المعاناة، ويتعلم الناس من الألم أكثر مما يتعلمون من الفرح. أتذكر معاناتي بصوت خلفي من قناة ذكريات، وأشتم رائحة بودرة الأطفال مع كل فكرة، وأتذوق المعقم الذي تذوقته بالخطأ من على الآيسكريم مع كل ذكرى تزورني.

 

حدث 

 
  • يمكنكم الاطلاع على قصة “من ذاكرة البيوت” بقلم: سارة الجريسي ومقال “عادل إمام.. الهومو-سادوتوس” بقلم: سعود السويداء في موقع كيت وكيت الالكتروني.